الطحينة - سِرّنا المعروف
الطحينة، أو الطحينية... ذلك السائل اللزج الذي نستعمله في أكلنا العربي كأنه شيء عادي. ولكن الطحينية بالحقيقة شيء رائع باستثنائيته.
ذُكرت الطحينة في كتابات مسمارية وصل عمرها ٤٠٠٠ سنة. وكانت تقدم لآله العالم القديم، مما يظهر مدى قيمتها لهم في هذا الوقت. فقيمة الطحينية الغذائية عالية جداً لاحتوائها على الأملاح والفيتامينات والبروتين. وتعتبر الآن من الأغذية المعروفة في بلاد الشام ومصر لاستخداماتها الكثيرة في الطبخ والوجبات الخفيفة والمقبلات على طاولة الأكل.
أما في غزة حيث أنها لا تعتبر شيء جانبي فقط بل تحولت لشيء رئيسي مع أكلات كثيرة لتكون اللمسة الخاصة التي اشتهروا بها الغزاويين لاستخدامها وتقديمها مع أكلاتهم المفضلة.
الشاورما على سبيل المثال من الأكلات المشهورة في الشرق الأوسط، حيث جاءت من تركيا، لكن العرب أضافوا لها لمستهم الخاصة وخاصة الفلسطينيين، حيث تقدم شاورما الدجاج مع بعض المقبلات ضمنها الثومية، لكن في غزة الأمر مختلف تماما حيث تقدم مع سلطة الطحينة المكونة من الحامض والماء والملح والطحينة. وأتذكر عندما كنت في الأردن ذات مرة وطلبت الشاورما وتم تقديمها مع الثومية… لم أكره الخلطة فالثوم والدجاج يتجانسا مع بعضهم بشكل جميل ولكنها لا تقارن مع طعم سلطة الطحينة الحامض وملمسها اللزج الذي يعطي لقطع الشاورما لِذة لا يشبع منها الشخص. اعتبرت نكهة الشاورما الأصلية هي الشاورما بالطحينة، فهي أصلية لي أنا ولطفولتي وتعلقي بعادات الأكل في غزة. وفي كل مرة أتذوق طعم آخر عند السفر فإن الإشتياق يعود مجدداً لأكل شاورما الدجاج مع سلطة الطحينة في مطاعم غزة.
الطحينية ليست غذاء بطبيعته فقط بل هي مشابهة لألعاب الصلصال التي يمكن تشكيلها كيفما يريد الشخص، فقد قمنا في العالم العربي بإضافتها بكثرة إلى الحمص أو الفول وكذلك متبل الباذنجان الشبيه بالبابا غنوج في سوريا ولبنان. وأصبحت سلطة الطحينية والبقدونسية مثل صديق خاص للمشاوي. وهو الأمر الذي نراه مع وجبات السمك المقلي أو المشوي في مصر. كما أنه يتم وضعها على أكلات شعبية مثل دمسة العدس أو الكفتة، أو حتى تناولها مع الدبس أو العسل الأسود. اشتهرت الطحينية كصحن لكل الأفواه العربية حتى أنها أصبحت تقدم في بعض المرات مع وجبات البيتزا!
لم تقتصر مخيلة الطهاة العرب بخلطة الطحينة والماء والملح والحامض بل أصبح لكل شخص لمسته الخاصة، فأضاف البعض البقدونس المفروم لها والمعروفة باسم البقدونسية، ثم أتى البعض واستبدل البقدونس بالشبت أو الجرادة كما يطلق عليها في غزة ليعطي مذاق مميز ومختلف أيضا، فيما ذهب البعض لتغيير وجهته واستبدل البقدونس والشبت بالجرجير لصنع خلطة فعلياً مميزة جداً، فحرارة الجرجير والطعم الأرضي فيه مع ذلك الطعم السمسمي الخاص بالطحينية أعطى مذاقا فريدا.
هنا في غزة، امتدت الطحينة إلى وجودها على الأنواع المختلفة من السلطات المحلية ولاسيما تلك السلطة التي توارثتها الأجيال بصنعها في زبادي الفخار لمنح طعم تراثي خاص من خلال دق الفلفل والبقدونس والشبت ثم فرم البندورة والخيار فوقها وخلطها مع الطحينة والملح والليمون وتقديمها كشيء شبه أساسي مع الأكلات المختلفة، فإن ما يميزها أيضا هو كمية الفلفل التي يتم وضعها حيث يعرف أهالي غزة بحبهم للأكلات الحارة. ولو فكرنا قليلاً لوجدنا أن هذه السلطة كاملة مليئة بالتراث فإن حفاظ الناس في غزة على الزبادي الفخارية في إعدادها استمرار لتراث قديم بالرغم من وجود الأطباق والأدوات المختلفة للمطابخ والتي يتم إنتاجها كل يوم. فإن الدق يساعد على استخراج نكهات تلك المكونات ومن ثم امتزاجها مع بعض ليكون مزيج غني ومتجانس.
جيل بعد جيل جلس على مائدة واستمتع بالطحينة في الاطباق العربية المختلفة وأصبح طعمها يجلب لنا متعة ربما متعلقة بالألفة. واصبحت الطحينة واحدة من المكونات الأساسية في المطبخ العربي. وبزيادة الليمون والماء عليها جعلنا منها طبق جانبي يناسب حاسة الذوق العربية لكي نستعملها حتى في حالات غير متوقعة لكي تضيف لنا نكهة قد احببناها وتعودنا عليها وتعلقنا بها.