الملوخية المصرية
الملوخية المصرية.. لذيذة..مفيدة..أصيلة..مبتكرة
الملوخية من أشهى وأشهر الأكلات المصرية بل إنها تُعتبَر في كثير من الأحيان الأكلة الرسمية لمصر. تحتل الملوخية مكانة خاصة على السفرة المصرية وفي قلوب المصريين؛ حيث يحبها الكبار لمذاقها الطيب الغني ويعشقها الصغار لطعمها اللذيذ وسهولة تناولها. وتُعد الملوخية الطبق المُفضَّل لكثير من الأجانب الذين يزورون مصر؛ البعض يعرف اسمها جيداً ويطلبها بينما يسميها البعض "الشوربة الخضراء". وكل من يتذوق الملوخية لأول مرة ينبهر بطعمها الرائع وقوامها الفريد! فتجربة أكل الملوخية لاتُنسى!
عُرفت الملوخية في مصر منذ زمن قديم حيث يُزرع نبات الملوخية في مصر منذ عهد الفراعنة. يقال أن الفراعنة كانوا يعتقدون أن الملوخية نبات سام ولم يكونوا يأكلونها أبداً وكانوا يطلقون عليها "خية". وعندما غزا الهكسوس مصر أجبروا المصريين على أكل الملوخية وكانوا يقولون لهم "ملو-خية" أي كلوا "خية". وبعد أن أكلها المصريون فوجئوا بأن طعمها لذيذ وأنها غير سامة. وهناك رواية أخرى أن أكلة الملوخية ترجع إلى العصر الفاطمي حيث أصدر الحاكم بأمر الله أمراً بمنع أكل الملوخية على عامة الناس وجعلها حكراً على الأمراء والملوك فسميت "ملوكية" ثم تم تحريفها لتصبح "ملوخية".
للملوخية فوائد كثيرة فهي كنبات أخضر غنية بمادة الكاروتين التي تتحول إلى فيتامين "أ" في الجسم يعمل على تقوية المناعة والنظر. كما تحتوي الملوخية على فيتامين "ب" الذي يُحوِّل الطعام إلى أحماض أمينية ويحمي الجسم من الإصابة بفقر الدم. وتحتوي الملوخية على بعض مضادات الأكسدة التي تحمي الجسم من أمراض القلب والضغط. كما تحتوي على الأملاح المعدنية الهامة للجسم كالحديد والفسفور والكالسيوم والبوتاسيوم والمنجنيز والصوديوم.
وبما أن نبات الملوخية يحتاج لدفء ويظهر في فصل الصيف عُرفت الملوخية كأكلة صيفية ينتظرها الناس من السنة للسنة ويتفنون في إيجاد حلول لتوفيرها طوال العام. قام المصريون منذ قديم الزمان بتجفيف الملوخية في موسم توفرها وتخزينها جافة لشهور. كما ظهرت أيضا منذ سنوات عديدة الملوخية المُجمدة لتُوفِر الملوخية في غير أوقاتها وكحل سريع يعتمد عليه ويفضله الكثير من الناس حتى عند توفر الملوخية الطازجة. ومع انتشار زراعة الصوب أصبح نبات الملوخية متوفر في معظم أوقات السنة.
يتم تحضير طبق الملوخية التقليدي الشهير بخرط أوراق الملوخية الخضراء الطازجة بالمخرطة حتى تصير ناعمة ثم تُمزَج بمرق الدجاج أو البط أو الأرانب أو اللحم ثم يضاف إليها التقلية (مزيج من الثوم والكسبرة الجافة المحمرة في الزيت أو الزبدة). ومزج تقلية الثوم بالملوخية الخضراء يعطيها نكهة قوية ومذاق رائع لايُضَاهى. طبق الملوخية الخضراء يمكن تقديمه كطبق خضروات رئيسي على المائدة مع الطيور أو الأرانب أو اللحم وبجانبه أرز أبيض أو أرز بالشعيرية. كما يمكن أن تُقدَّم الملوخية مع طبق رئيسي آخر مثل المحشي. وفي كل الأحوال يقدم العيش (الخبز) مع الملوخية؛ فتغميس العيش البلدي المصري بالملوخية تجربة لذيذة لايمكن مقاومتها! وكثيراً ما عُرفت لقمة الملوخية بـ"أذن القطة" أو "ودن القطة"؛ حيث يُقطَّع العيش إلى لقيمات يتم لفها (لضمان عدم تسرب الملوخية منها، فتشبه بذلك أذن القطة) وتغميسها في الملوخية لتذوب في الفم.
ويمكن إعداد طبق الملوخية من الملوخية المجففة "الناشفة" ويعرف هذا الطبق بـ"الشلولو" وهو طبق مصري فرعوني أصيل منتشر في مصر خاصة في الصعيد والنوبة. ويحضر بنفس طريقة تحضير طبق الملوخية المعروف. وللملوخية الناشفة طعم لذيذ ومميز ويعتبر أكثر تركيزاً من الملوخية الخضراء ولذلك فلأكلة الملوخية الناشفة عشاقها.
والملوخية في حد ذاتها تعد طبقا غنيا بالعناصر الغذائية. ولذلك فإنها مناسبة للنباتيين الذين يحضرونها بمرق البصل أو بمرق الفول النابت (كبديل لمرق الطيور أو اللحوم). ويمكن تناولها مع الأرز أو الخبز.
يتفنن الناس في إعداد الطعام والابتكار بإدخال بعض التغييرات على الوصفة الأصلية أو بمزج مكونات طبقين أو أكثر وذلك من باب التغيير ودرء الملل. ومن الوصفات التي تمزج بين طبقين من الأكلات المصرية الأصيلة وصفة البصارة بالملوخية الناشفة؛ وهي وصفة مشهورة في صعيد مصر والتي يشتهر أهلها بإعداد الملوخية الناشفة والبصارة كلٍ على حدة. البصارة هي أكلة مصرية شعبية تعتمد في الأساس على الفول الذي تشتهر مصر بزراعته. ويضاف إلى الفول: البصل والكسبرة الخضراء والشبت والثوم والتوابل. البصارة أكلة غنية بالبروتين والألياف. وعند إعداد الملوخية بالبصارة يتم طبخ البصارة بتسوية الفول والخضروات ومزجهم في الخلاط. بعد ذلك يتم إضافة الملوخية الناشفة إلى البصارة وخلطها بها حتى تذوب فيها. هذا المزج يضيف الكثير من القيمة الغذائية لطبق البصارة كما أنه يعطيها مذاقاً خاصاً بنكهة الملوخية الناشفة المُركزة. وهذا الطبق المصري الصميم الغني بالعناصر الغذائية مناسب جداً للنباتيين.
وبالرغم من أن الملوخية طبق أصيل وقديم إلا أنه يتعرض من وقت لآخر لبعض تجارب التغيير التي تحاول أن تضيف إليه الجديد دون المساس بمذاقه الشهي. ويعد طبق الملوخية بالجمبري أحد النسخ المطورة لطبق الملوخية الأصلي. البعض يُرجع منشأ هذا الطبق إلى المدن الساحلية في مصر مثل الإسكندرية والسويس وبورسعيد حيث ينتشر صيد الجمبري ومنها أنتشر إلى جميع أنحاء مصر. ويتم إعداد هذا الطبق بنفس طريقة إعداد طبق الملوخية التقليدي لكن يتم إضافة الجمبري إليه كبديل للحوم والطيور. وتقدم الملوخية بالجمبري مع الأرز أو العيش. ولهذا الطبق عشاقه لمذاقه المبتكر بالإضافة إلى قيمته الغذائية العالية. وفي هذه الحالة نجد طبق الملوخية (بالجمبري) مدرجاً على قائمة الأطعمة البحرية seafood وليس ضمن قائمة أطباق الخضروات.
بالرغم من الإضافات والتغييرات التي طرأت على طبق الملوخية المصرية التقليدي إلا أنه يظل النسخة الأصلية عندما نتحدث عن "الملوخية". فالصورة التي التي تطرأ على الذهن عند ذكر "الملوخية" هي ذلك الطبق العميق الذي يحوي بين جنباته الملوخية الخضراء المخروطة الناعمة والممزوجة بالمرق ومضاف إليها التقلية..بل إن رائحة الملوخية كثيراً ما تسبقها وتعلن عن وجودها قبل حتى أن نراها!